يستحق المشاهدة (The Cobbler)

الكل ولا شك يعرف (آدم ساندلر)، وهو أحد الممثلين الناجحين في مجال الكوميديا بشكل كبير، ولأفلامه طابع خاص يحبه جمهوره. لكنه لا يحظى باهتمام كاف من النقاد بسبب الاستسهال والتكرار والتشابه الكبير بين هذه الأفلام، ولأن (آدم ساندلر) لم يدخل نفسه منذ فترة طويلة في دائرة جديدة من أدوار تجعله يثبت جدارته بالنجومية التي يحظى بها فعلاٌ. لكن هذا لا يمنع أن لديه مجموعة رائعة من الأفلام تستحق المشاهدة وتختلف جزئيًا أو كليا عن نمط أفلامه المعتاد، وعلى رأسها أفلام (خمسون موعدًا جديدًا – fifty first dates ) و(ضغطة زر – Click) و(بابا الكبير – Big Daddy) و (التحكم في الغضب – Anger Management)(حكايات قبل النوم – Bedtime Stories) وأخيرًا فيلم (النقاط - Pixels) - الأخير تجربة خاصة تحتاج لمقال خاص بها - ، وهي جميعها مجموعة أفلام تختلف في طريقة طرحها وطبيعة الكوميديا التي فيها، والأفكار الاستثنائية التي تقدمها، صحيح أنها لم تقدم التحديات المطلوبة لتجعل من (آدم ساندلر) قامة من قامات التمثيل، لكنه كسب من خلالها قلوب المعجبين وأثبت أنه يملك امكانيات وقبولا واسعًا، يجعله وجبة فكاهية دائمة الحضور على الشاشة الفضية.

فيلمنا (الاسكافي – The Cobbler) أو (صانع الأحذية) ، هو من عينة هذه الأفلام. وتنبني قصته على حبكة فريدة، وقد تفوق على سابقيه بخروجه من دائرة الممثل الواحد والقطب الأوحد التي تعاني منها أفلام (ساندلر) بصفة عامة – حتى الجيدة منها- وإليكم أبرز العوامل التي تجعله فيلمًا مختلفة، ويستحق أن يكون أول أفلامنا الفكاهية في قائمتنا التي نرشحها لكم من الأفلام التي تستحق المشاهدة:

الفكرة البسيطة والمتفردة

فكرة التحول والتبدل والتنكر أو الإحلال ، فكرة قديمة وتم تناولها بطرق مختلفة بعضها سحري وبعضها جاء بشكل علمي في أفلام الخيال العلمي. لكن هذه المرة يأتينا كاتبا الفيلم (باول سادو Paul Sado) و(توم ماكارثي Tom McCarthy) بفكرة بارعة وبسيطة. ماذا لو استطعت تقمص أي شخصية من خلال ارتداء حذائها. فكما نعلم جميعًا أن الأحذية كثيرا ما تعبر عنا، عن أفكارنا، تطلعاتنا، آمالنا، ومستوانا الفكري والاجتماعي، وأشياء كثيرة أخرى قد لا تخطر ببالنا يمكن للخبراء النفسيين اسكتشافها من نوع وشكل وعينة الأحذية وطريقة لبسها. لكن الأمر هنا يختلف فبطل الفيلم (ماكس سيمكين Max Simkin) يستطيع تقمص الشخصيات من خلال ارتداء أحذيتها.

القصة وبناء المواقف

قصة الفيلم تدور حول الشاب (ماكس) الذي يعمل اسكافيًّا في المحل الذي ورثه من والده، ويواجه مشاكل بسيطة اعتيادية كالتي يواجهها أي شخص منا في يومياته. هو شاب متوسط في كل شيء، في العمر والدخل والطموح. فقط هو فاشل نوعا في تكوين علاقات عاطفية ولم يجد شريكة حياته بعد. تبدو هذه المشاكل الاجتماعية البسيطة شيئا ضئيلاً حين يكتشف (ماكس) آلة خياطة قديمة لتصليح الأحذية ويقوم بتجربة الحذاء بعد تصليحه ليجد نفسه متقمصًا هيئة صاحب الحذاء بشكله وطوله وصوته وهيئته تمامًا وكأنه غدا شخصًا آخر. التبدل الذي ينتفي بمجرد نزع إحدى فردتي الحذاء. ويكتشف فيما بعد أن السر يكمن في الآلة. من هنا تنطلق قصة الفيلم ومحورها الأساسي ونكتشف مع (ماكس) شيئًا فشيئًا مزايا هذه الخاصية وعيوبها ومخاطرها، ولكن سرعان ما يتورط (ماكس) في مشكلات أكبر منه لم يكن يتخيل أنه سيدخل فيها، وتبدأ المغامرة. سياق هذه الأحداث شكل العديد من المواقف الفكاهية والضحك المصحوبة بشيء من الإثارة والترقب. إن كوميديا الموقف تصبح هي سيدة الفكاهة في هذا الفيلم ولاشك.

عناصر الفكاهة المتعددة

من المعلوم أن الفكاهة تعتمد على عوامل عديدة لصنع البسمة وانتزاع الضحكات، فهناك كوميديا الموقف، والكوميديا الحركية، ولقطات الكاميرا الساخرة، والنكات والكوميديا بتعبيرات الوجه وكوميديا المبالغة. كل هذه العناصر متواجدة في الفيلم بصورة متفاوتة وإن كانت كوميديا الموقف هي المتسيدة للفيلم بعكس الأسلوب المعتاد لأفلام (ساندلر) التي تعتمد على قوالب متكررة للمواقف وإلقاء النكت. لكن الروعة في الفكاهة، تأتي من خلال تجسيد مجموعة الممثلين للدور الأساسي والذي تطلبته حبكة القصة.

الاعتماد على التمثيل الجماعي

دان ستيفنس أحد الممثلين الذين شاركوا في تجسيد حالات تحول البطل في الفيلم ودور مليء بالمواقف الفكاهية

بسبب طبيعة الفيلم وقصته والتي برغم كونها تدور حول شخصية واحدة هي وحدها التي تجابه كل تقلبات الفيلم وأشكال الصراعات المختلفة التي تدور فيه، ولكن لأن (ماكس) كان يستخدم الأحذية لتتبدل هيئته فمعنى ذلك أن كثيرا من المشاهد والمواقف كان يقوم بها الممثلون الآخرون على أنهم (ماكس) وقد تحول إلى هيئاتهم، وهو أمر قد منح الفيلم جمالية خاصة على صعيد التجسيد والتمثيل، فتشعر أن روح المجموعة في الأداء والتوازي والتساوي فيما بينهم رغم أنهم ممثلون غير معروفون مع أداء (آدم ساندلر) الذي لم يعد هو الوجه المستحوذ على الكاميرا في المشاهد. هذا الجو من التمثيل الجماعي جعل للفيلم نكهته الخاصة التي لن تجدها بسهولة في أفلام أخرى. والفضل هنا يرجع بالطبع للمخرج (توم ماكارثي) الذي استطاع أن يصنع هذه التوليفة.

ميثود مان الممثل المغمور والذي قام بدور محوري في الفيلم مع آدم ساندلر

الثنائيات الجميلة مع الأجيال القديمة

ستيف بوسيمي في دور جيمي الحلاق وجار البطل

كان لظهور الممثلين الكبار في الفيلم رونقهم الخاص، فظهور (ستيف بوسيمي Steve Buscemi) في دور الجار (جيمي Jimmy) والذي يعمل حلاقًا وهو دور يمثل الأب الروحي لـ(ماكس) ومسانده ورفيقه وصديقه في ظل غياب أبيه والذي قام بدوره النجم الكبير (داستين هوفمان Dustin Hoffman) والذي كان ظهوره محدودًا جدًا لكنه كان حاضرًا في أكثر مشاهد الفيلم قوة وتأثيرًا وخصوصًا مع (لين كوهين Lynn Cohen) التي قامت بدور والدة (ماكس). بالإضافة إلى (فريتز ويفر Fritz Weaver) الذي قام بدور مستر سولومون صاحب العقار في دور صغير لكنه مؤثر وجيد للغاية. وقد قام الجميع بثنائيات رائعة مع (آدم ساندلر) في مشاهد كانوا فيها عناصر جاذبة للشاشة والكاميرا والأحداث أيضَا.

داستن هوفمان في دور والد البطل

لين كوهين في دور والدة البطل

مشهد يجمع ستيف بوسيمي مع آدم ساندلر

الفيلم بالطبع لا يخلو من بعض الأدوار النسائية، إحداها كانت الشخصية التي يعجب بها (ماكس) ويقع في حبها بشكل يبدو يائسًا وعن بعد، وقد جسدت دورها الجميلة (ميلوني دياثMelone Diaz) ، بينما تقوم (إيلين باركين Ellen Barkin) بدور امرأة شريرة تكون هي محركًا للأحداث في إطارها المتفاقم في اتجاه المواجهات والصراعات التي يخوضها بطل الفيلم.

ميلوني دياث في دور الشخصية التي يحبها بطل الفيلم في قصة جانبية لا تؤثر كثيرًا على سياق الأحداث

إيلين باركين في مشهد تمثيلي مع ميثود مان

قد لا يكون فيلم (The Cobbler) هو الفيلم الأفضل في مسيرة (آدم سانلدر) وقد لا يكون أكثر الأفلام قوة وإضحاكًا، لكنه تجربة فريدة بالتأكيد ويشتمل على الحبكة الطريفة وفيه التسلية مضمونة، إنه فيلم يستحق أن تفرغ له ساعتين من وقتك وستخرج من هذه التجربة سعيدًا ومبتهجًا ولاشك. إنه فيلم رائع وغير متكلف ويغمرك ببساطته وروحه التي تبعث فيك نشوة تجعله يستحق عن جدارة وامتياز أن يكون في قائمتنا فهو يستحق المشاهدة.

شاهد تشويقية الفيلم (التريلر) من هنا